.الازمة الحالية في مالي ليست وليدة اليوم وانما يمتد حبلها الى سنة2002.عندما ارسلت امريكا وفدا من خبراء مكافحة الارهاب الى مالي واليوم بدات عاصفة الصحراء في مالي ونقل الاسلاميون معركتها الى الجزائر، حيث تؤشر الحرب التي بدأتها فرنسا على الاسلاميين في مالي لقوس من الأزمات الذي نتج عن الربيع العربي والدخول في نفق المجهول.
ويمتد هذا القوس من باكستان التي تعيش ازمة سياسية بعد طلب المحكمة العليا هناك القبض على رئيس الوزراء رجا برويز اشرف، والتظاهرات التي اعلنها زعيم جماعة 'منهاج القرآن'، الشيخ طاهر قادري الذي اتهمته الحكومة بالدعوة الى ثورة، حيث ترى ان الشيخ الصوفي ربما يجد دعما من الجيش .
ومن الشرق الى سورية التي تعيش حربا اهلية ستكمل عامها الثاني قريبا، ودول الربيع العربي التي لم يتحقق فيها الامن والاستقرار كما في وضع ليبيا واليمن، فيما تكافح حكومتا مصر وتونس لتذليل الصعوبات ومواجهة مشاكل سياسية واقتصادية وتحديات يومية، كما ان دول الخليج ليست سياسيا بأحسن حالا منها في دول الربيع.
ومن هنا يفهم العمل العسكري في مالي الذي بدأته فرنسا هذا الاسبوع وفتحت جبهة جديدة 'في الحرب على الارهاب' وان كانت هذه الجبهة موجودة من قبل فالهدف المعلن هو مواجهة الجماعات الاسلامية في شمال مالي وتأمين منطقة الصحراء، والعملية وان وجدت دعما من الدول الغربية ومن الحكومة الضعيفة في باماكو الا انها تهدد بتورط فرنسي طويل في مالي.
ومهما كان حال الحكومة الفرنسية ان كانت قادرة على ان تخرج نفسها سريعا من الحرب في هذا البلد الشاسع سؤال يترك لحكومة فرانسوا هولاند كي تجيب عليه.
لكن اللافت في الانتباه ان العملية تتم في وقت لا تبدي فيه الولايات المتحدة او بريطانيا حماسا للتدخل العسكري. مع ان ما يحدث في مالي ودول الربيع العربي يترك اثارا واسعة على الامن العالمي وعلى امن الدول الاوروبية تحديدا، فعملية اختطاف الاجانب في المنشأة النفطية في عين اميناس الجزائرية ما هو الا اشارة الى ان منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط اصبحت غير امنة ويجب النظر اليها كذلك. وتدعو صحيفة 'اندبندنت' في افتتاحيتها 'الغرب التحضير لقوس المجهول'، خاصة ان ادارة اوباما اعلنت عن خططها لتسريع عمليات الانسحاب من افغانستان، حيث من المتوقع ان تحذو بريطانيا حذوها. وتعتمد عملية الانسحاب على تعاون باكستان، وهو المهم على الرغم من استعداد روسيا لدعم عملية الانسحاب لكن هذا ليس بديلا عن التعاون الباكستاني.
وتقول الصحيفة ان اقتراب انسحاب القوات الاجنبية من افغانستان يعتبر عنصرا في خليط من التهديدات التي تزعزع استقرار باكستان، من مثل احتمال عودة طالبان والمناوشات المستمرة بين القوات الهندية والباكستانية.
ولهذا يمكن فهم المخاوف في ضوء ما يحدث في مالي حيث ستكون اثار الحرب على الدول المحيطة خطيرة، ولعل الدولة التي ستتأثر بالعملية اكثر هي الجزائر التي قاومت عملية جرها للحرب ودعمها في الجارة مالي، لتعود وتدعمها.
فالجزائر هي الدولة الوحيدة التي وقفت على الحياد من ما يحدث في دول الربيع العربي، وحاولت منع اي اضطراب يعيد الى البلاد عهد الحرب الاهلية التي عانت منها لمدة عقد او يزيد لا يعرف احد تحديدا عدد قتلاها، وتحاول الدولة التعافي من اثارها.
ترقبوا نهاية غير سعيدةوفي هذا السياق يشير روبرت فيسك في مقال له في 'اندبندنت'عن عملية الاختطاف في عين اميناس، الى ان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، قاوم كل الضغوط التي مورست عليه العام الماضي لارسال جيشه الى مالي، ولكن على ما يبدو فان الاسلاميين الجهاديين اعداءه واعداء فرنسا زحفوا الى الجزائر وفتحوا جبهة جديدة فيها. ويرى ان الاختطاف هو اعادة لما حدث في التسعينات، وعليه فعلينا ان لا نتوقع نهاية سعيدة،مضيفا ان المشكلة في الحرب الاهلية التي امتدت بين 1990 - 1999 والتي مورس فيها القتل والتعذيب من الطرفين، انها لم تنته فعلا، على الرغم من اعلان الحكومة الجزائرية وخلال العشرة اعوام الماضية عن انتصارها في الحرب الدائرة في الصحراء مع الجماعات الجهادية وتنظيم قاعدة بلاد المغرب الاسلامي، وان الحرب مع الاخيرة قد انتهت على الاقل في داخل الحدود الجزائرية.
ويقول فيسك ان الحقيقة كانت غير هذا، فالتفجيرات في المدن الجزائرية استمرت ولم تكن الصحراء الواسعة مكانا آمنا في يوم من الايام. وقال ان المنطقة التي تجري فيها الحرب تشن فيها القوات الامريكية الخاصة حربا منذ عشرة اعوام، حيث تتمركز في بلدة تمنراست في الجنوب الجزائري قرب جبال هقار.
ويقول ان الفرنسيين بغطرستهم التي تشبه غطرسة الامريكيين والبريطانيين في حربهم العبثية على الارهاب لم يفكروا عندما ارسلوا جنودهم للقتال في مالي في 'الصحراء- القبو' الجزائري الذي سيبتلع الفرنسيين واخرين من جنسيات اخرى، في اشارة لعملية الاختطاف. واضاف الى انه من السهل تعزيز الحراسات الامنية في مطار ديغول اكثر من تذكر تاريخ الانظمة العربية الضعيفة والتي 'انتصرت' في حروبها على 'الارهاب'، حيث لم يأخذ احد تهديدات الاسلاميين في مالي باستهداف الغربيين في الجزائر على محمل الجد.
وفي النهاية يشير فيسك الى المعادلة المعقدة في المستعمرات القديمة وان الحدود بينها لا تعني الكثير لأهلها، فالطوارق يمكن ان يكون جزائريا وماليا في الوقت نفسه. مع ان الجزائر قضت سنوات في قتال الارهابيين 'الاجانب'.
تورط جزائريوما تشير اليه الاحداث هو ان الجزائر الان تجد نفسها جرت او ورطت في الحرب في مالي بطريقة غير مباشرة وستعمل من اجل التوصل للحل وفي نفس الوقت التصدي للجهاديين الاسلاميين في داخلها.
وينظر بالتالي للهجوم على حقول حقول النفط الجزائرية على انه نقطة تحول في العملية التي حددت فرنسا اهدافها بتأمين منطقة الساحل الواسعة والتي تعاني من مزيج من المشاكل الاثنية والصراعات المحلية والفقر وانتشار الجريمة والتهريب والاختطاف.
ويرى الباحث جون ماركس من تشاتام هاوس في لندن بان الهجوم على حقول النفط مهم من اكثر من جانب، منها ان حقول النفط الجزائرية ظلت امنة طوال الحرب الاهلية في الجزائر، كما لم يتم استهداف المصالح الاستراتيجية الغربية من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.
ومن جانب اخر تظهر العملية ان الاحداث في مالي لها طابع دولي، فالمقاتلون ماليون واخرون جاءوا من ليبيا.
ووصف ماركس الوضع بالمتداخل حيث يلتقي اليأس مع الجريمة، خاصة ان معظم الجماعات متورطة في عمليات.
ومن هنا فالجزائر التي تعتبر من الدول العربية القوية والتي قاومت بشدة فكرة التدخل في الدول الجارة فتحت الان مجالها الجوي للطائرات الفرنسية، وتعهدت بتأمين حدودها وهذا يعتبر حدثا تاريخيا. فهو وان ادخل الجزائر في المعركة لكنه يهدد ايضا بتوسع تدخل الدول الغربية فيها.
ا
راء انطباعيةومع ذلك فالاحداث المتسارعة في منطقة الساحل تخفي وراءها حقيقة عدم وجود رؤية كاملة للمسؤولين الامريكيين حول ما يجري فيها وان ما لديهم هو معلومات 'انطباعية'، كما ان عملية الاختطاف في حد ذاتها يمكن ان تحول جماعة ذات اهداف اقليمية الى عدو لدود للولايات المتحدة حسب صحيفة 'نيويورك تايمز'.
وتقول ان هذا السبب وغيره كان وراء تبني ادارة الرئيس اوباما سياسة احتواء الجماعات الاسلامية في مالي حتى تكون القوى الاقليمية ـ القوات الافريقية في وضع يمكنها من مواجهتها، بدلا من فتح معركة عسكرية مباشرة او ارسال الطائرات الموجهة او القيام بعمليات خاصة. وكان المسؤول المساعد لوزارة الخارجية الامريكية للشؤون الافريقية جوني كارسون قد عبر عن هذه السياسة عندما قدم شهادة للكونغرس الامريكي قلل فيها من خطر الجماعات الاسلامية في مالي وقدرتها على تهديد امريكا ومصالحها خارج غرب وشمال افريقيا 'ولم تهدد بتوجيه هجمات على التراب الامريكي'.
ولكن وزارة الدفاع الامريكية ـ البنتاغون- اتخذت موقفا متشددا من الوضع في مالي وناقشت باتجاه توجيه ضربات للاسلاميين هناك، حيث ربطت بين الجماعات الاسلامية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وارتباطاته مع تنظيم القاعدة الام الذي ضرب امريكا، ولكن الادارة تبنت سياسة القتل المستهدف او الاغتيالات في اليمن والصومال وباكستان وافغانستان نظرا لتهديد الجماعات هناك لامريكا ولكن ليس في مالي حيث رد قائد القيادة المركزية الافريقية 'افريكوم' كارتر هام على سؤال حول تهديد الجماعات في مالي لامريكا بالنفي. ولكنه قال في تصريحات للصحيفة ان الجماعات تتبنى ايديولوجية القاعدة وعبرت عن رغبتها بضرب الغربيين في اوروبا وان 'كان بامكانهم ، العودة للولايات المتحدة'.
وكان ليون بانيتا، وزير الدفاع واضحا في التأكيد على طبيعة العملية الفرنسية بانها 'عملية موجهة للقاعدة'.
ومع انه من الباكر الحكم على العملية الفرنسية، لكن الهجوم على حقول النفط الجزائرية جعل الكثير من المسؤولين الامريكيين يقولون انها قد تكون بداية لموجة هجمات على الغربيين، ومن المحتمل ان تقوم واشنطن بارسال قوات على الارض ان قتل الرهينة الامريكية من بين 41 قالت الجماعة الخاطفة انها تحتفظ بهم.
التجسسوتقوم الولايات المتحدة وعبر قيادتها المركزية ومنذ العام الماضي بالتجسس على الاسلاميين الذين انشأوا قواعد لهم في شمالي مالي، فقد وسعت القيادة المركزية عملياتها التجسسية من اجل جمع معلومات عن قوة هذه الجماعات التي وسعت وجودها في شمال البلاد وكذلك التعرف على علاقاتها مع القبائل والجماعات الاثنية الاخرى في منطقة الساحل وشمال افريقيا.
وبحسب الوثائق التي سربتها ويكيليس وتصريحات مسؤولين امريكيين فقد قام الجيش الامريكية بإقامة قواعد عسكرية صغيرة في عدد من الدول الافريقية ومهمتها جمع معلومات من خلال طائرات تجسس تبدو وكأنها طائرات مدنية، وواحدة من اهم القواعد التي استخدمت للمهمة في مالي اقيمت في مدينة غوادوغو عاصمة بوركينا فاسو.
ولم يكن للعملية التجسسية الا اثر محدود حيث منع الجماعات الاسلامية افرادها من استخدام الهواتف النقالة واغلقت مقاهي الانترنت واغلقت برج الاتصالات.
ومن هنا يعترف كارتر بصعوبة الحصول على معلومات عن 'الملاجىء الامنة' في شمال مالي. ووصف الوضع في شمال مالي بانه صعب على الاختراق وصعب لارسال المخبرين لجمع المعلومات، مضيفا ان الامر لا يقتصر على المنطقة هذه بل على الدول المحيطة بها. وتشير صحيفة 'واشنطن بوست' التي كشفت عن العملية السرية ان برنامج التجسس للبنتاغون اطلق عليه 'خليج الرمال'، حيث ادار البرنامج متعهدون امنيون. وفي الوقت الذي كان السؤال يتمحور حتى الاسبوع الماضي ان كان تهديد الاسلاميين في مالي يستدعي تدخلا عسكريا، فالاختطاف في الجزائر غير الان دينامية النقاش.
نشاط عشرة اعوامفصحيفة 'واشنطن بوست' تقول انه مع تحرك القوات الفرنسية باتجاه شمال مالي، يجب على الادارة والكونغرس مراجعة اسباب فشل مشروع 10 اعوام لملاحقة الاسلاميين في هذه المنطقة.
وتعود جهود الولايات المتحدة الى عام تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 عندما اعلنت وزارة الخارجية ان وفدا من مكتب مكافحة الارهاب التابع لها قد زار مالي وعددا من دول غرب افريقيا من اجل اطلاع حكومات هذه البلدان حول 'مبادرة منطقة الساحل' والتي تم تصميمها من اجلل 'حماية الحدود، ومواجهة الارهاب وتعزيز التعاون الاقليمي ودعم الاستقرار'.
وعلى الرغم من هذه الطموحات الكبيرة الا ان ميزانية المبادرة انت 7.75 مليون دولارـ حيث وصل منها 6.65 مليون عام 2004.
وقامت القيادة المركزية الامريكية في اوروبا باستخدام المال وارسلت ضباطا من القوات الامريكية الخاصة لتدريب القوات المالية. وجاء المشروع مدفوعا بالمخاوف من انتقال الجهاديين الذين دمرت قواعدهم في افغانستان الى مالي، حيث نقلت عن الجنرال جيفري كوهلر، مدير التخطيط في القيادة المركزية في اوروبا انه تم تدريب الماليين على كيفية السيطرة على مناطقهم بالاعتماد على انفسهم كي يحموها من الارهابيين. ولكن المبادرة هذه تم استبدالها عام 2005 بمبادرة 'الشراكة في مكافحة الارهاب عبر دول الصحراء'، وهي شراكة تمت بين وزارة الخارجية والدفاع وصندوق الدعم الامريكي الخارجي ـ يو اس ايد- حيث تم التنسيق بينهما على تركيز الدعم والتطوير على كل دولة بمفردها في شمال افريقيا. وبحسب مكتب المحاسبة الحكومي فقد تلقت مالي من المشروع في الفترة ما بين 2005 2008 مبلغ 37 مليون دولار ذهب معظمها لقضايا الدفاع، فيما اضطرت مشروع الدعم الامريكي عام 2006 لوقف برنامجه لبناء السلام في شمال مالي بسبب عدم تلقيه دعما ماليا في تلك السنة.
وكانت مالي من الدول التي شملها مشروع تحديات الالفية الامريكي وهو مشروع لدعم الدول التي تعهدت ببناء حكم صالح وتحرير الاقتصاد والاستثمار في المواطنين' حيث تم وضع ميزانية 461 مليون دولار من اجل تحسين الزراعة وفتح المجال امام الماليين للسوق والتجارة وكان من المقرر ان ينتهي عام في ايلول ـ سبتمبر 2012 لكنه اوقف بعد الانقلاب في آذار (مارس) 2012.
في الجانب الدفاعي قامت الشراكة بتمويل 'عملية فلينتلوك' لتدريب قوات مالية وجزائرية وتشاد وموريتانيا والسنغال وتونس، وضم اليها لاحقا كل من نيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر والمغرب.
واعتبرت العملية عام 2005 الاكبر منذ الحرب العالمية الثانية وشارك فيها الف جندي امريكي، وقام التمرين العسكري على فكرة ملاحقة جماعة ارهابية وطردها عبر الحدود الموريتانية عبر مالي والنيجر واخيرا في تشاد.
وتم اعادة التمرين في عام 2007 و 2008 في مالي وفي عام 2009 حصلت مالي على معدات عسكرية بقيمة خمسة ملايين دولار منها 37 عربة لاند كروزر جديدة ومعدات اتصال متقدمة جدا. ولي نفس العام تم تنفيذ تدريب عسكري قرب باماكو حيث استخدمت القوات الامريكية الخاصة لاول مرة مقاتلة سي في 22 اوبرسي.
وفي مناورة عام 2010 تم تدريب القوات المالية التي شاركت فيه، 1200 جندي، على كيفية نصب مع الكمائن في الصحراء. وكانت القوات الامريكية تخطط لعقد مناورة اخرى العام الماضي لكنها الغيت.
ويشار الى ان قائد الانقلاب الكابتن امادوا سانوغو كان ممن تلقوا تدريبات ضمن برنامج البنتاغون العسكري والتدريبي والتعليمي الدولي.......... .....