الربيع الفاضح لمشايخ الناتو ومشايخ النفاق
ليس هنالك خير في هذا الذي يسمونه ربيعا عربيا سوى في فضح مشايخ السوء وتعريتهم وكشْف سوءاتهم، وإلا فتغيير الأنظمة الحاكمة بالمظاهرات أو بحلف الناتو أو بتمرد عسكري لا ينسجم مع المبدأ الإسلامي: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد 12)"واعلموا أنكم إنْ كنتم صالحين لأصلحَ الملوكَ لكم، وكذلك جرت سُنّة الله لقوم يتّقون". (الهدى والتبصرة)
لقد انقسم المشايخ إلى نوعين في هذا الخريف: أولهما مشايخ الفتنة، وهم الذين يحرّضون على الخروج في التظاهرات حتى لو أدّت إلى إبادة الناس، كما أُطلق عليهم أيضا مشايخ الناتو، لأنهم صاروا يسوّقون لتدخل هذا الحلف في أي بلد عربي. وثانيهما: مشايخ السلطان الدموي الذي يواجه المتظاهرين بالشبيحة والرصاص حتى يحافظ على عرشه مهما كلّف ذلك من دماء وأشلاء، ويمكن تسميتهم بمشايخ النفاق.
شاء الله أن يكون القرضاوي ممثلا لمشايخ الفتنة، حتى صار يُلقَّب بمفتي الناتو، وشاء الله أن يكون البوطي رحمه الله السوري ممثلا لمشايخ البلاط. وهكذا تعرّى الشيخان وتعرّى معهما آلاف ممن هم على شاكلة كل منهما، وأُهينا إهانة بالغة، وسيظلون يُهانون.
واجب المسلم أن يحذِّر من التظاهرات والعصيان والخروج والتمرد والفوضى، وواجبه أن يحذِّر الحكام من مواجهة المتظاهرين المسالمين بالقوة، مع أن التظاهر لا نرضاه. واجبه أن يسعى لحقن الدماء، لا إشعال الفتنة. واجبه أن يحثّ السلطان على التنحّي عن السلطة حقنا للدماء، خصوصا إن كان له صلة به.
ومع اختلاف هذين النوعين من المشايخ، إلا أنهما قد اتحدا.. ولكن في قضية أخرى؛ إنها النفاق والكيل بمكيالين، وإلا لماذا يجرِّم مشايخ السعودية المظاهراتِ فيها وفي البحرين ويمتدحون المظاهرات في سوريا؟ ولماذا تمتدح إيران وملاليها مظاهرات البحرين وتستنكر تظاهرات سوريا؟ لماذا ينادي شيوخ قطر بالديمقراطية في مصر وسوريا ولا ينادون حكامهم بها؟
وهناك اتفاق آخر بين المشايخ بنوعَيهم، وهو إثارة الفتن في بلاد بعضهم بعضا، وإلا ما الذي يحرِّض شيعة البحرين على التظاهرات المستمرة أكثر من الملالي؟ وما الذي يحرِّض السوريين على التظاهر والخروج المسلح أكثر من الخطب الرنانة والوعود بالدعم المادي والمعنوي والناتُوي؟ لا شكّ أنّ هناك فسادا في الأنظمة، ولكن هل نشأ هذا الفساد قبل العام فقط؟
والذي يتفق مع هؤلاء المشايخ في إثارة الفتن وفي النفاق والكيل بمكيالين الدولُ الغربية، والتي تتشدق باستنكارها انعدام الديمقراطية في سوريا ولا تتجرأ أن تتحدث عن ذلك في السعودية مقابل بضع مئات من المليارات ثمنًا لسلاحٍ عبثيّ يصدأ مع الزمن.
إذن، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (42) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} (الروم 42-43)
ما هو الحل إذن؟ إنه {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (44) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} (الروم 44-45)
الحل في الإيمان والعمل الصالح، وهؤلاء المشايخ الذين ظلّوا يشوّهون سمعتنا ووطننا ورجالتناعشرات السنين سيُعذَّبون مرتين؛ مرةً على يد مشايخ آخرين ينافسونهم ويحترفون الكذب والتشويه مثلهم، ومرةً عذابًا ماديًّا حين ينهزمون.. وهذا الخريف العربي سيكون مليئا بالهزائم والكوارث على جميعهم، فالمعادلة أنه {مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى 31).
فالحمد لله الذي نجّانا من أن نكون سببا في إراقة قطرة دم، والحمد لله الذي كشف مشايخ الفتنة على حقيقتهم.. {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء 228)، {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد 43).